الجمعة، 16 ديسمبر 2011

التضمين بين المعنى وفوضى المعنى

التضمين بين المعنى وفوضى المعنى”.

لم تكن تجربة الشعر في فترة التسعينيات , تجربة عادية ولكنها كانت تمثل الشيء الكثير بالنسبة لشعراؤها فكرا ووعيا وتنافسا حقيقيا من اجل الشعر. لا زلنا نتذكر تجربة فهد عافت وأثرها على الصحافة الورقية وهاهو فهد عافت يقول مؤخرا ” لقد تقدمت في العمر لأتفاجأ بان الكثيرين من شعراء هذا الجيل الجديد ينادونني بالاستاذ لقد شعرت بأني كبرت فعلا وهم ينادونني بالاستاذ ” فالامر ليس فقط تقدما في العمر وحسب ولكن لتجربة أعطت الكثير و الكثير للساحة الشعرية كفكر ساهم في ان يترك أثرا على جيل بأكمله وشخصية أثرت في أساليب العديد من الشعراء في الوقت الحالي واصبحوا يقلدون نهجه.

بعض الشعراء يرون بأن فترة التسعينيات, كان الشعر الحقيقي موجودا ولكن النقد الحقيقي لم يكن موجودا بصورة فعاله لذلك فأن كل شاعر حقيقي كان يسعى بمفرده ليرى جانب النقد الايجابي أو السلبي في جماليات نصوصه ولا زال الشاعر الجيد الذي يرسم اسلوبا خاصا به والذي يرى انه بحاجة دائمة الى الاطلاع والتبحر في اغراض الشعر وان تقدم به العمر, لا زال يرى بأن القارئ الناقد الذي ينظر للشعر كونه شعرا بمعناه الحقيقي , يقف شاهدا على حياة النصوص وايضا يشهد على موتها وقد يموت الشعر من خلال أسلوبية “التضمين ” التي قد يتبعها بعض الشعراء أو المتشاعرين وهو بديعيا استعارة الشاعر شطرا كاملا او بيتا كاملا من غيره في شعره .

لم يكن “التضمين” يمثل حقبة معينة ولكنه موجود في كل حقبة زمنية و قد نراه في وقتنا هذا ان لم نغالي في الامر , ياخذ بعدا سلبيا لدى بعض الشعراء أو المتشاعرين , فكم شاعر دخل في دائرة ( التضمين ) والذي من شانه ان يقود البعض منهم الى سرقة أفكار الغير بدون وجه حق وعندما يناشدونهم , ستكون الاجابة بلا ريب , هي مجرد توارد خواطر بمعنى ان الشاعران أتفقا على معنى واحد بلفظ واحد بلا أخذ ولا سماع. لكن عملية توارد الخواطر قد لا تستمر طويلا . التضمين قد يخدم الشاعر في الوقوف على تجارب من سبقه او بمعنى آخر هو تأثرا ايجابيا بتجربة معينه لذلك دائما أرى بأن الذي لا يتأثر قط بتجارب شعراء آخرين , فهو لم يقرأ الشعر وعلى سبيل المثال عندما يسأل شاعر ما : هل تأثرت بشاعر ما ساهم في صقل موهبتك الشعرية ؟ تأتي الاجابة لدى البعض , في الحقيقة لم أتأثر بأحد ؟ أو في الحقيقة لا أريد ان أذكر أسماء معينة ؟ وأنا أعتقد ان الأجابات هذه ليست بالمقنعة لسبب ما هو ان التأثر بتجربة شاعر ما , من شانه ان يجعل الشاعر أكثر ثقة لأن يشعر بأنه قرأ فعلا وان يعطي بمثل ما قدم غيره ومن شانه أن يهذب الشعر لديه والذي يسهم في إنماء ذهن الشاعر في فهم قالب الشعر اللغوي والبديعي . لن نغالي ان قلنا بأن البعض ذهب الى تقليد التجارب الثرية في أساليبهم والنهج الذي يكتبون عليه اما بصورة مبالغه أو بصورة غير مبالغة فيها وهنا قد يحدث الاقتباس. فالاقتباس ينطوي على امور عديدة مثل ان يقوم الشاعر بتحديث أثر قديم اما من حيث اعادة عرضه بطريقة مشوقه واما بتبسيط مفرداته وعباراته ليصبح مألوفا لدى القراء وأيضا ان يقوم الاقتباس على تضمين الكلام نثرا كان أو نظما على وجه غير مشعور به لذلك قيل بان الشاعر أو الناثر ضمّن كلامه من كلام غيره . الشعر انخطاف وانجذاب لأثر أصيل واذا بلغ الشاعر حالة الانخطاف فأنه يتحرر فيها من العوامل المادية المحيطة به ويغوص في ذاته أو ما يعتبره منبعا صافيا من منابع الابداع بما ان النص هو تركيبة لغوية وتوليفة بلاغية , لذلك فان الشاعر المبدع يحاول ان يخلق عالما خاصا به وليس عالما شبيها ومماثلا لغيره . فالاقتباس المبالغ فيه من نهج شاعر آخر , قد يقود الشاعر أحيانا الى فوضى المعنى أو اللامعنى فكأنه لم يتحرر من حالة الانجذاب التي يعيشها هو بالذات وسط صراعاته و أفكاره . ومن جهة أخرى , اذا ما نظرنا الى الاقتباس الغير مبالغ فيه, بأن يقوم الشاعر بتحديث أثر قديم , فلأن القديم ماهو الا امتداد للحديث وفيما ذكره الرافعي : ” ان القديم هو الذي يبدع ما نسميه الجديد ” وما أشار اليه ادونيس ” ان الجديد هو ترميم في بعض نواحي القديم وتهذيب في بعضها وزخرف في بعضها الآخر وان اتصل الجديد بالقديم , فإذا هو هو لكن في بعض الزيادة أو بعض الزينه أو بعض القوة لإحداث بعض المنفعة ”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق