الجمعة، 16 ديسمبر 2011

عصر الصورة في الفيس بوك “


عصر الصورة في الفيس بوك “


أو

” لوحة الحائط “

كموقع اجتماعي , يأخذ موقع الفيس بوك حظوة كبيرة في التواصل مع الشعر والشعراء والكتب والكتاب والمواقع الأخرى والقائمين عليها . عندما نبحث عن الشعر في الفيس بوك نجده , وعندما نبحث عن اللا شعر أيضا نجده ولكن لا يتطرق الشعراء الى الفيس بوك كونه للشعر ولكن هو تواصلا اجتماعيا في حد ذاته ونشر ثقافة تمتد مع ثقافات أجيال متنوعة . ما لفت انتباهي في الفيس بوك أيضا, بما إني من مرتادي الفيس بوك بين الفينة والأخرى لقراءة شي ما , هو ثقافة الصورة كما قال رولان بارت بأننا نعيش حضارة الصورة تلك الصورة التي تساوي ألف كلمة أو أكثر .

فهناك كتاب أو شعراء أو مفكرين في هذا الموقع ينشرون الصور التي تمثل سمات تفكيرهم أو ذواتهم أولا وأخيرا . قد يكون هناك من ليست له أية رسالة يود إيصالها للآخرين من خلال الصور فهي لا تتجلى برؤية ثاقبة نحو مضمون معين يحمل طابع الثقافة التي تتبلور في الصورة ولكن قد تخلق أفقا ضيقا لدى البعض . وعندما نأخذ بقول النفري ” كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ” , فذلك لا يبعدنا كثيرا على اعتبار ان الصورة أيضا قد تجعل رؤيتنا للأفكار أكثر وضوحا فهي عن مليون كلمة لذلك ضاقت العبارة. ومن جهة أخرى, عندما نقوم بإعادة إبداع آخر لرؤية القصيدة , فهذا يعني إنني أقوم بمهمة أخرى وهي ان أعيد رؤيتها برؤية مغايرة تضيف للقصيدة بعدا جماليا أخر .

لا زال هناك البعض الذين ينشرون صورة تعبيرية عن الدموع لقصيدة حزينة على سبيل المثال, فهل لا زالت الدموع هي دلالة وحيدة تلغي العديد من الدلالات الأخرى للنص ؟ أو حتى عندما ننشر صورة تعبيرية أخرى لوجه عبوس هو يحمل في طياته كل الفكرة بمجملها دون البحث عن أغوار الذات فيما هو سلبي يختمر في اللون القاتم ؟ فان لم تكن الدموع هي ندما أو رحمة أو توبة , قد تكون هي إحدى دلالات مشاعر العجز المكتسب واليأس وهذا ما نلاحظه حقيقة بان الكثير مما يمكن رؤيته من تلك الصورة تنطوي على طابع اليأس الذي أعطى إشارة واضحة للنص في مضمونه.

وبالمقابل , قد نقرأ قصيدة هادئة ويمر سكونها لينجرف الى صخب وأنين نشعر به كلما قرأنا القصيدة بهدوء وقد يستغرب البعض منا لماذا يضع الشاعر صورة تعبيرية لصرخة إنسان . تلك هي الصورة الإدراكية التي يود الشاعر إيصالها للمتلقي وهي ” أقرأني بعمق حتى تستشف ما بداخلي ” .

من جانب آخر, أتذكر شاعرا آخر, صورة لوحة لشخص يمسك بميزان كصورة معبرة عن النص , فاتت القصيدة ككيان واحد وهذا دليل على اتزان العاطفة لا تناقضها , لذلك كنت أرى تلك الصورة المعبرة من وجهة نظري هي دليل على وعي الشاعر وثقافته فالميزان كان في حد ذاته دليل على التوازن وفي وضع الأشياء التي يمكن وزنها فهي دعوة للتأمل فكان اختيار الصورة موفقا الى حد كبير . ” ابتسم من فضلك, ابتسم للصورة \\ لأ .. دي بسمة حزينة \\ العيون مكسورة \\ ياللا حاول تاني .. لأ دي ضحكة سناني .. ابتسم من قلبك يا أخي .. مش عضلك “!

للشاعر المصري بهاء جاهين . استطاع هذا الشاعر الكبير ان يفهم الطرف الآخر وهل كانت الضحكة أو ابتسامته من القلب أم لا فهو شاعر سبر أغوار ذاته وان لم يفصح الآخر عنها . فهنا الصورة والمضمون فالصورة قد تعبر عن شئ ما كالابتسامة ولكن ما ينطوي على المضمون فهو أعمق تماما عندما أضع صورة تعبيرية عن الألم والأسى, فتأخذ القصيدة منحى آخر في الكتابة عن الذكريات الجميلة التي تختزنها الذاكرة فهي دراسة نفسية للصورة في طرح عدة تساؤلات هل هي صور أو لقطات داخلية للأشياء الموجودة في العالم الخارجي ؟ هل هي ذات طبيعة مجردة ؟ أو هي مجرد صور محاكية للأشياء التي نراها ونسمعها أو نتعايش معها ؟

يقول ليوناردو دافنشي ان ” التصوير هو الشعر الذي يرى ولا يسمع والشعر هو التصوير الذي يسمع ولا يرى ” ولكن بعض المثقفين يرونها مقولة ناقصة على ان “الشعر يسمع بالأذن لكنه قد يرى أيضا بعين الخيال والذاكرة وتدفقات صور الشاعر عبر قصائده قد تصاحبها تدفقات ممثلة للصور في عقل المتلقي أو القارئ ” شاكر عبدالحميد . في نهاية المطاف , أود أن أشير الى ان لوحة الصرخة الشهيرة لافارد مونش, لم تتركز على صرخة الإنسان في اللوحة لتصوير الألم الخاص بالحياة أو الدالة العصاب والخوف الإنساني فقط ولكن كانت السماء الحمراء في اللوحة نفسها خلقت شعورا كليا بالقلق والخوف فكونت تلك الشخصية المحورية فيها . شأنها شان القصيدة , عندما نتوغل في أعماقها لاكتشافها فيما بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق