الجمعة، 16 ديسمبر 2011

فلسفة شاعر

عندما اعاود قراءة ديوان سيف العشق للشاعر مساعد الرشيدي أشعر فكأنني أقرأه للمرة الأولى فقصائده متجددة وان تكررت قرائتي للديوان . يملك الشاعر مساعد الرشيدي فلسفة جميلة غالبا ما تعيدني لكل قصيدة . لكل شاعر فلسفة خاصة به بلا شك, وجميل جدا ان تكون له فلسفة تنبعث منها الرؤى في الحاضر والمستقبل ولكن التصور دائما قابل للتغيير في فهم الحياة فأحيانا التشبث برأي ما ناقصا قد لا يضيف لتلك الفلسفة شيئا لانها المنظور الذي نرى به مستقبلنا .يقول رينيه شار ( لا يستطيع الشاعر ان يبقى مدة طويلة في سكاك الكلمة ) والسكاك هو الهواء بين السماء والأرض فالشاعر له رؤيته ومنظوره في استيعاب الحياة أثناء ترحه أو فرحه.

يقول رينيه شار (الشاعر وهو الذي يترجم النية الى فعل ملهم وهو يبدل دورة التعب الى شحنة من الانبعاث) إلتقاط الانفاس من جديد لمواصلة الطريق والوقفة على ما قد مضى , عملية التقييم الذاتي لما نمر به , هو ما يشعل جذوة قصيدة جديدة أخرى تستوقف الشاعر وتستوقف آخرين من بعده . (خط طيران القصيدة يستطيع ان يكون حساسا لكل شخص ) ويقول الشاعر مساعد :

وابشعلها قصيد من أول الدنيا الى دنياك

تهب مع الهبوب الى ندهتك جذوة أوراقي

وابنظمها قلايد لين تقدح بالسما طرياك

ما دامي شاعرك ليه الظلام يرف بأحداقي

(ان يكون المرء شاعرا هو ان يمتلك الشهية لقلق يؤدي الانتهاء من استهلاكه الى الغبطة وسط زوابع الاشياء الموجودة والمهجوسة كلها ) أعتبر القلق أحد مكونات الكتابة الملازمة لها فالشاعر لا يهدأ له بالا الا والقلق يلازمه في كل قصيدة بداءا من شطر البيت الاول والنتهاءا بشطر البيت الاخير ومن ثم يصبح القلق لدى الشاعر , الرغبة الملحة للولوج الى كتابه جديدة ( الهواجس هيكل عظمي وقلب ومدينة وغابة ) ويقول مساعد :

هاجس ٍ يملا ضلوعي سواليف ومداد

كل ماهز المعاليق قلت: الله لنا

قال من طش المجاديف قلت: السندباد

قال: من غنى له النجم سامر قلت: أنا

(الشاعر وهو القادر على المبالغة ينمو بشكل صحيح في العذاب) كثيرا ما يكتم الشاعر ألمه في نفسه ولكن الاوراق تستظهر ما بطن وقد يجد تلك المساندة الحقيقية من القصيدة لتجعل احساسه يترعرع اكثر فأكثر في سياق الكلمات فكلما شعر انسان اخر بمعاناته من خلال الكلمات , يدخل في سياقا آخر تلو آخر(أنت شاعر في جوهرك على الدوام وعلى الدوام متلهف للحقيقة والعدالة ) .

مرة يلومون شاعر خانت دروبه

ومرة تخون المدينه حلم شاعرها

مرة كتبت القصيد لعين رعبوبه

ومرة نهبت القصايد من محاجرها

( عند كل انهدام للبراهين يجيب الشاعر برشفة المستقبل ). اكثر إيلاما جدية البراهين التي لا تجد آذانا صاغية ليس لانها براهينا غير منطقية ولكن لاننا نرفضها ولكن ان يقال ( الرضا يضئ الوجه والرفض يمنحه الجمال ) فهو ان تظل القناعات وايماننا في الذات راسخا ليمنحنا الجمال في الروح .

متى تصحي الدنيا متى يا زمان تفوق

متى ترخي الغيمة هدبها على اكتافي

متى تكسر الخطوه مداها وأهد الطوق

وأسوق الدروب لفجرها والقدم وافي

( الشاعر هو حافظ وجوه الكائن الحي اللامتناهية ) الشاعر تعود ان يتوغل في ذاته مرارا وتكرارا وتباين المفاهيم المتباينة تتوالد معه بشكل دائم ( غائب , أجب انت بنفسك . من دونها فمن المحتمل أن لا تكون مفهوما ).

انا الشعر عندي مثل الانسان كاين حي

رفيق ٍ وله حق الوفا في مواثيقه

رفيق ٍ ليا لدت عيون الشدايد لي

شلع كنه اللي نازع ٍ من شواهيقه

وعندما يقول الشاعر ( انا قائد الينابيع الناضبة ) , فلأنه قد يرى بأن (الشعر هو من بين كل المياه الصافية الاقل توقفا عند انعكاسات جسوره) أو لأن القصيدة لم تقل كل شي , فالشاعر هو العاطفة التي لم تعبر عن كل شيئا (من المناسب ان يكون الشعر غير ممكن الانفصال عن اللامرئي غير المصاغ بعد ) او هي فلسفة أخرى لشاعر كرينيه شار في استقصاء اللغة والعاطفة ومن رؤية أخرى للشاعر مساعد الرشيدي حينما قال:

سامحيني لو هزعت الغصن واحزني جفافه

الضلوع اللي على خبرك على خبرك ظمايا

* العبارات ما بين الأقواس للشاعر الفرنسي رينيه شار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق