الجمعة، 16 ديسمبر 2011

ما بال فلان يبغضك !!


الموضوع الذي سوف اتناوله في هذا المقال , ليس بجديد على الساحة الشعرية فقد تطرق اليه الكثيرين من الصحفيين والكتاب والشعراء او الشاعرات على حد سواء في الخليج العربي وفي الوطن العربي ايضا. قيل قديما : ما بال فلان يبغضك ؟ قال: لأنه شقيقي في النسب . وجاري في البلد . وشريكي في الصناعة , فذكر جميع دواعي الحسد.


اذن فالحسد في الساحة الشعرية هي ظاهرة يعاني منها الكثيرين . فهناك شاعر يحسد شاعرا وشاعر يحسد شاعرة وشاعرة تحسد شاعرا وشاعرة تحسد شاعره وهناك من يقول لماذا أحسد فلانا وكأنه ينفي دواعي الحسد رغم انها كثيرة كما قالوا قديما شريكي في الصناعة أو بمعنى ادق هو لديه موهبة الشعر التي أمتلكها . يقول ابن خلدون ” أعلم ان اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة, إذ هي ملكات في اللسان, للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة او نقصانها . وليس ذلك بالنظر الى المفردات وانما هو بالنظر الى التراكيب .


فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الالفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة , ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال, بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع وهذا هو معنى البلاغة “. حيث كان تصور البلاغة هو ان اللغة وحدات مضمومة بعضها الى بعض ولكن الاضافة التي تمثلت في تصور البلاغة , هي حرية الكلمات وحرية الشعر في البحث عن عبارات لا تهدأ ولا تثبت .


ومن هنا يظهر الاختلاف بين الشعراء او الشاعرات في توظيفهم الشعري والتنوع في طرائق التعبير , حينما تتضح ملامح اللغة الشعرية والنسق الذي تتخذه الكلمات . وبلا شك ان هذا الاختلاف , من شانه ان يظهر بوادر الحسد في النفوس .


فالحسد الذي يبعث الغيرة في النفس هو نوع من الاعتراف السلبي بجودة النص الآخر , وقد يبلغ الحسد مبلغه كلما كان الشاعر المحسود اقرب إلى تقنية الأسلوب في فكرته وطرحه وبلاغته أو جزالته . وهذه التقنية وان جاز التعبير متمثلة في كافة اشكال الفن أو الادب كفن القصة أو كما عبر عنه د. صلاح جبور وهو نهج خاص بفنان أو كاتب أو شاعر في تحقيق أثر من آثاره. مثال ذلك : تقنية الهمذاني في تأليف المقامة وتقنية الروائي الكبير نجيب محفوظ في كتابة الرواية وفي رأيي الشخصي قد أرى ان فن المحاورة هو تقنية أخرى تختلف عن الايقاع العام للشعر حيث يتطلب سرعة البديهة والفطنة والدهاء الشعري وحضور الذهن وهذه الصفات تختلف من شاعر لآخر كتقنية الشاعر المرحوم مطلق الثبيتي وتقنية الشاعر المرحوم صياف الحربي في فن المحاورة .


فكلما نظرنا الى هؤلاء الاعلام الشعرية نجد اننا بحاجة دائمة الى خلق ذلك التنوع الخلاق او تجديد تلك الطاقة الشعرية بإستمرار لان هناك الكثيرين الذي فعلا أجادوا في طرق البحور الشعرية النادرة والصعبة فكانت لهم تلك التقنية في الاسلوب الذي يصعب مجاراته وقبل ان يتوالد الحسد بسبب صفات معينة يتمتع بها شاعر عن سواه ومن شانها أن تبرز موهبته , يجب ان نفكر بتلك الطاقة التي تكمن في أنفسنا وكيف لنا ان نجعلها متجددة حية وكيفية تنميتها والارتقاء بها فكرا وخلقا .


من ناحية أخرى هناك داعي آخر للحسد بين الشعراء أو الشاعرات وهي الشهرة والاضواء وتلك الفرص الذي ينالها شاعر أو شاعرة في ابراز موهبتهما دون سواهما ممن سبقوهم في مجال الشعر. ومن وجهة نظري الشخصية , ارى ان الحسد في مثل هذه الحالة هو من شأنه أن يدمر صاحبه كلما سعى الى الفتنة واطلاق الشائعات, فتكون أبواب الساحة الشعرية مفتوحة على مصراعيها في اقتناص الفرص بعد زعزعة الثقة بين الشعراء المتخاصمين .


فيالها من رؤية سطحية تنم عن جهل وعدم ادراك لسبب بسيط هو الحسد ومن ثم الغيرة التي قد تؤدي لاحقا الى ان يكون التربص هنا ليس تربصا بالنص ولكن تربصا بالشخص ان الفرصة قد تكون جلية الملامح امام الشاعر أو الشاعرة فهناك المسابقات الشعرية او الامسيات أو منتديات الشبكة العنكبوتية أو المطبوعات الورقية أو الاعلام المرئي كل هذا من شانه ان يصقل تلك الموهبة . أود ان اشير هنا ايضا, وان تشابهت الفرص التي يطمح اليها الكثير من الشعراء او الشاعرات , فهم يختلفون ايضا من منطلق تلك القناعات الشخصية وأفكارهم المتباينة في مسألة أقتناص الفرصة الجيدة والمناسبة وفي مسألة رسم نهجا مغايرا مدروسا يحدد تلك الطموحات في الوقت الراهن و من شانه ان يعزز ويبرز تلك الموهبة الشعرية مستقبلا بعيدا عن اتخاذ مسار الفتنة والشائعات بسبب دواعي الحسد والغيرة .


أما انا فأنني أوفق الشاعر الجزائري عبدالكريم قادري عندما قسم الغيرة الى قسمين : غيرة ولود وغيرة عاقر ويقول : أما الأولى فهي المهمة في حديثي وأظنها خاصية يجب توفّرها في كل المبدعين من أجل الخلق الجيد والإبداع الفريد . هبْ مثلا أني قرأتُ عملا إبداعيا ما لأديب سواء كان مغمورا أو معروفا. لا بدّ أنْ أحسد وأغير من كاتبه ومن ثمة تتولّد الغيرة لديّ وتحصيل حاصل لابد ان اكتب نصا يساوي هذا العمل الابداعي أو يتجاوزه على الاقل في نظري هكذا تنطفئ دائرة الغيرة لدي.


أما الثانية وهي الغيرة العاقر ، وهي تُحسب على المبدع لا له . لأنها لا تولد جمالا وإضافة للأدب , وبالتالي سيكون لها نظرة عكسية سلبية تتولد منها احقادا ومشاحنات كان يمكن تجاوزها . لذلك وجب علينا التشبث بالاولى ورمي الثانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق