الأحد، 18 ديسمبر 2011

مشاعر غير قابلة للشرط


مشاعر غير قابلة للشرط ..

عندما تمر كلمة ( un conditional love )  في المقالات الاجنبية , أعي معنى ان يكون الحب او المشاعر هي غير مشروطة
وكيف ان تلك الشروط الذي يضعها الانسان نفسه , هي سبب تعاسته في احايين كثيرة . حينما تتدفق المشاعر كالمطر الغزير وتحيي القلب , فلا شئ يوقف هذا المطر من الانهمار  المتدفق بقوته . ان المشاعر الغير مشروطة لا ترنو الى الشكل الخارجي للانسان , او العمر او المكان على سبيل المثال ولكنها هي تمازج روحين.
يقول السري السقطي :" لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد للآخر : يا أنا " . تلك حقيقة والحقيقة دهش كلما ادركنا حقائق الأمور . هل هذا الاحساس الغير مشروط , لا زال له الاثر الكبير في الواقع المعيش؟ في اعتقادي ان الانسان لن يعي حقيقة هذا الامر بشكل كبير الا من خلال قناعاته الراسخة في ذهنه .   ان الانسان هو سيل من قناعات تترسخ مع صروف الدهر او لياليها . فهي ما ينبجس منها أسلوب الانسان نفسه .

الشاعر مسكون بالكلمات


الشاعر مسكنون بالكلمات مثله تماما كالرسام الذي تسكنه طقوس الالوان والروائي بتفاصيل السير والاحداث تلك العلاقة الجارفة التي تربط الشاعر بالمفردة والقافية والوزن (الكاتب لا يعرف كيف يقاوم النداء الموجع للون الابيض واستدراجه إياه للجنون الابداعي كلما وقف أمام مساحة بيضاء ) تلك الصفحة البيضاء التي تتجمهر فيها الاحاسيس لتهب رياحها العاتية كيفما شاءت بنا ولتمارس الهدوء بطبيعة القلب الساكن . عندما يصبح الجنون ابداعا ما بين الجدة والطرافة وعندما يصبح الجنون الحد الفاصل بين المنطق واللا منطق .

أبا أتنفس دام لي بالنفس حق

ياللي قصيدي فيك من حر الانفاس

والله يا لولا عبرة الحبر الازرق

دمع ٍ نثرته من عذابي بقرطاس

الامير بدر بن عبد المحسن

(المهم الكتابة في حد ذاتها وسيلة تفريغ وأداة ترميم داخلي ) و احيانا نرى ان الكتابة توقظ لهيبها من اللا كتابة , فالذي لم نقوله او نكتبه , هو ذروة اللهب لذلك لا نستطيع القول بأننا قلنا كل ما لدينا وليس هناك شيئا سوف يحرك المياه الراكدة التي لم تهب عليها اعاصير المشاعر المتناقضة التي تترنح فيها أطياف ذاكرة و ملامح جرح و حديث مسهب عن وجع الصباح والليل وسيرة ٍ تتجاذبها الذكريات من حين للآخر . هل قمنا حقا بعملية ترميم داخلي ؟ وكم مضى من الوقت في آخر محاولة قمنا بها لترميم داخلي نحاول ان نعيد ترتيب الافكار و تقييم الذات والالتفاتة المفاجاة لشعور ما ؟ وعندما استدرجنا نداء اللون الابيض للصفحات, قمنا بهذا الترميم الداخلي الذي كثيرا ما ساهم في خلق جنوننا نحو الرغبة الملحة الى ابداع ما .

تعبت أسافر في عروقي ومليت

من جلدي اللي لو عصيته غصبني

ياما تجاوزت الجسد واستقليت

عن الألم .. لاشك جرحي غلبني

(أبدأ في قراءة قصيدة . أحاول فك لغز الكلمات المتقاطعة أبحث عنك وسط الرموز تارة ووسط التفاصيل الاكثر أعترافا أحيانا أخرى ) . ان كنت شاعر مثقل بالجرح , شاعر تعاني من الغربة , ان كنت شاعر تشتعل بك زوابع الاحاسيس المتاقضة والمبهمة والواضحة ايضا , فلن تتأخر في قراءة قصيدة لعل كاتبها قد قام بكتابتك دون ان يدري ليعبر عن حالتك . قراءتنا لشاعر آخر , كفيل بأن يطفئ ما اشعلته كلماتنا , وكفيل ان يشعلها مجددا . لماذا نلجأ لقراءة أخرى , لأشخاص لم نتشاطر معهم تجاربهم؟ لماذا نلجأ لقراءة أخرى ونحاول جاهدين في فك رموزها حينما نجهد انفسنا في فك رموز ذواتنا والولوج الى جوانية الاحاسيس المركبة ؟ ألأن الشاعر دائما في حالة تأهب لإقتفاء أثر الكلمات ؟ حين يعاني من الهجر و اليأس والجروح الغير ملتئمة ومن ثم يواصل البحث عنها في قصيدة لشاعر آخر . حين لا تستطيع حكمته ان تواسيه هكذا يلجأ لحكمة أخرى لشاعر آخر أجهده البحث لعل هذا الأخير وجد الأثر الذي يقتفيه .

بعض طيني .. شهاب أثلي.. ودلو ٍ يابس ٍ مثقوب

يخر الرمل في جوف القليب ويظهر السافي

جريد اللي ذبل و إلا هوى .. أو هو موات قلوب

نويت أشد من دار العطش و أعيش فـ أطرافي

(الكاتب انسان يعيش على حافة الحقيقة ولكنه لا يحترفها بالضرورة ذلك اختصاص المؤرخين لا غير انه في الحقيقة يحترف الحلم ) كثيرا ما يقولون الشعراء ان القصيدة هي وليدة الخيال حينما نجعل للخيال أراضي شاسعة تمتد فيها الحقول الخضراء تارة او صحاري قاحلة تارة أخرة في لحظات الفرح والحزن في لحظات النسيان والتذكر وفي لحظات العشق والكراهية , فالخيال ايضا هو رهين الذات احيانا لاننا وحدنا من نرسم ونعبر تلك الأراضي الشاسعة لتفرض سطوتها علينا او نفرض سطوتنا عليها حين نحترف الحلم.

غريب ٍ تزرع عيوني سراب وتحصد الكثبان

وحيد ٍ مثل رسم ٍ مبطي ٍ في صحصح ٍ خالي

(ان الشعراء مثل الرسامين لهم عادة لا تقاوم في تخليد كل مكان سكنوه أو عبروه بحب بعضهم خلد ضيعة مجهوله وآخر مقهى كتب فيه يوما وثالث مدينة عبرها مصادفة واذا به يقع في حبها الى الابد). كثيرة هي الصحاري والاراضي القاحلة التي خلدها الشعراء وبث فيها الشاعر الحياة وان كانت جرداء , كثيرة هي المدن التي خلدها الشعراء وكأنها مدن لا تشبهها مدائن على كوكب الأرض في شوارعها و ممراتها . شانها شان الشخوص الذين خلدوا في الدفاتر . لذلك تعددت أغراض الشعر المختلفة. ان يكون المكان عالقا في اذهاننا , فكيف أطياف الشخوص حينما تمر الذاكرة ؟ هل حقا جميع الشعراء خلدوا الأماكن مثلما خلدوا شخوصا في حياتهم . أرى ان للأمكنة هيبتها , وهيمنتها , وكأنها تسرد السيرة أو السير لأناس. هل تبوح الأمكنة حقا بأسرارنا و ترسم التفاصيل بدقة كما ينبغي ؟ أم ان الكتابة كوسيلة تفريغ , لم يعد يغريها سوى احتواء الأمكنة بكل مافيها لتحرك الرياح في داخلنا شمالا ويمينا .

كل ما كتبت أبها نشت بين الأوراق

سحابة ٍ وابتل في الصدر معلوق

أخيل بين أصابعي نوض براق

وكن القلم ينبت له غصون وعروق

* العبارات التي بين الأقواس من كتاب ذاكرة الجسد للكاتبة أحلام مستغانمي





الجمعة، 16 ديسمبر 2011

شكسبير يحدث جدلا

هذا الفيلم عن شكسبير , يثير جدلا كبيرا في الأوساط الادبيةذكر البروفيسور جون شابيرو في جامعة كولومبيا ان ” في التسعسنيات بدأت الشكوك تحوم حول الكاتب الحقيقي لشكسبير. وقد أصدر كتابا بعنوان

?Contested Will: Who Wrote Shakespeare

في نهاية الفصل الأخير من كتابه يذكر شابيرو كل ذلك المزيج مما ذكر حول هذه الشكوك من خلال شاهد العصر , النظرية العلمية , آلاف البيانات فشكسبير الذي ظهر هو بسيط وغامض . للاجابة على هذا السؤال , فأنه يعرف بتغير التاريخ في طريقة تفكير الناس عن الأدب والفنون .

 بعد قرنين من وفاة شكسبير , يقول شابيرو لم يكون هناك شكا حول كتابة شكسبير ل شكسبير ولكن الشكوك بدأت لان الفكرة الجديدة القوية بدات تنمو في مطلع القرن التاسع عشر عندما كانت الاعمال الادبية هي تعابير وانطباعات النفس الداخلية للمبدع تم تفسيرها كسيرة ذاتية روحية.

 هذا التغير كان جزء من للاتجاه البنائي للمدرسة الرومانسية حيث تأثرت بشكسبير لأن القليل من الوثائق التي بقيت على قيد الحياة , مرتبطة بحياته في ستراتفورد لا توحي بأن هناك جانبا روحيا في الشخص على الإطلاق. يقول جون كيري في مقاله عبر الصنداي تايمز “في الوقت الحاضر, من السهولة ان نقبل بالاحتمالية لان هناك العديد من السير الذاتية التي لا تحصى لكتاب وأدباء قد نتقبلها من خلال التوقعات التي تتمثل في حياتهم لربطها بتصوراتهم ومفاهيمهم” .

 مخرج فيلم ” مجهول ” لعام 2011 \2012 م , رونالد إميريش , بذل جهدا كبيرا نحو السفر الى الرؤيا من حيث الغموض. لم يكن هو الفيلم كارثة سوى الأثر الذي سوف يتركه في نفوس البروفيسورات الانجليز .

 طبقا لإمريش, الفيلم تدور أحداثه حول سؤال وهو كيف أتت أو انبثقت فكرة ان ويليام شكسبير ليس بمؤلف أعماله ؟ وانقلبت الى ان المؤلف هو ايرل اكسفورد . وعلى الرغم من ذلك , في رأي شابيرو والاخرين تبقى أعمال شكسبير هي أرثا أدبيا وهذا الفيلم لن يغير شيئا على الإطلاق في تخفيض قيمة هذا الأرث الأدبي.

من مقالات الشاعرة والكاتبه هجير


كاريكاتير

كاريكاتير للفنان علي الجازع

بعضهم يقولون اكذب في الشعر وقد يكون السبب يكمن في الخيال المتدفق الذي يعين الشاعر على ان يطأ أرضا جديدة من الفكرة والخيال في عالم الكتابة ولكن ويشبه ابن عربي الخيال بأرض لا نهاية فيها للعجائب والغرائب يوجد فيها حتى المحال عقليا . ولكن عنما يعلل ابن عربي بان الخيال هو معيار المعرفة , فذلك لان المعرفة تولد من حقيقة والحقيقة ليست بكذبه .

في الواقع قد تختلط الأمور لدى البعض في اقحام عبارة ( اعذب الشعر اكذبه ) في وجهات نظر بعضها يقبل تلك المقولة لما في الشعر من صور ومحسنات بديعية واخرى من جماليات الأدب . فإلى ي مدى يتواصل الشاعر مع كتابته وكيف تتوطد علاقته بأسلوبه بما ان الشاعر هو أسلوب كتابته والأسلوب هو الشاعر بعينه ؟

تأملات شاردة


شاعرية التأملات الشاردة ل باشلار يحاول الكاتب إيصال القارئ أو الحالم الى حالتين فالحالة الأولى تشبه من يقول ” انا في الحقيقة حالم , حالم كلمات مكتوبة أعتقد إنني اقرأ فتوقفني كلمة . اترك الصفحة فتدخل في هيجانها أجزاء الكلمة فتترك الكلمة معناها كحمل ثقيل يعيق عملية الحلم ” والحالة الثانية حين يقول آخر ” الأردأ هو عندما ابدأ بالكتابة عوضا عن القراءة, تدور أمامي وببطء عملية تشريح الكلمة فتعيش الكلمة جزءا في خطر التأملات الشاردة الداخلية ” . في كتابة القصيدة , قد يمر الشاعر بمراحل مشابهة تماما لما وصفه باشلار فهناك من يقرأ كثيرا وقد تمتد فترات القراءة شهورا وكأن القصيدة تتوالد ببطء أثناء القراءة فالإنسان القارئ لا يستوقفه سوى الكتاب الذي يود فعلا قراءته أو عثر عليه فأستوقفه عنوانا ما فالتواصل بين القارئ والكتاب هو تواصل ممتد كلما وجد فيه ضالته للمعرفة فليس غريبا ان تتوالد القصيدة أثناء القراءة .

ليس في القراءة نفس مرغمة. وعندنا تحدث باشلار عن قراءة نَـفَـسية وقراءة نَـفْـسية

فالقراءة شغف النَـفْـس العذب ولكن قد يلهث النَـفَس تعبا, فليس الجميع لديه نَـفَـسا متيقظا وطويلا للقراءة. وعندما نقول قراءة نَـفَـسية, فأن القارئ يلقي على عاتقه مهمة قراءة كتاب بأكمله أو قراءة جزء منه وعدم الرجوع إليه. تماما مثل قراءة قصيدة ما بإمعان وتأني أو قراءتها على عجلة من أمرنا دون تريث.

وعندما نتأمل في شاعرية قصيدة, فإننا نتأمل وعي الشاعر وعمق تجربته فنمو التجربة وإثراءها لا يرتبط بسن معين وهذا يحتاج أيضا الى نَـفَـسا طويلا للمتابعة للوصول الى كتابة مقنعة في ذات الشاعر نفسه قبل الآخرين تلك الكتابة التي أمعن فيها النظر مطولا باحثا فيها عن انسجام اللفظ الدقيق و جليل المعنى لا تكلف ولا تعسف فيه يتحدر كتحدر الماء المنسجم , مطبوع على سلامة الذوق وتوقد الفكرة وحسن الأساليب وغيرها الكثير ولكن في كل مكان على هذه البسيطة نجد البعض من يترك أبرز سمات القصيدة دون النظر الى ثغراتها أو مكامن الضعف والخلل فيها والبحث عن الشهرة فالهم الوحيد هو كيف ان يصبح مشهورا شأنه شان الآخرين ولو نظر الى الآخرين لوجد التجارب المختلفة منها تلك التي وصلت بعد طول عناء وبعد نفس طويل من القراءة والمتابعة والتواصل مع الشعر والشعراء . هنا يصبح الشعر الحقيقي كالجوهر النفيس وسوف اذكر حكاية التاجر والصنج . زعموا ان تاجرا كان له جوهر نفيس فأستأجر لثقبه رجلا في اليوم على مئة درهم يدفعها إليه وانطلق به الى منزله ليعمل وإذا في ناحية البيت صنج موضوع والصنج آلة من آلات الطرب فقال التاجر للصانع: هل تحسن الضرب بالصنج ؟ فقال : نعم وكان بضربه ماهرا فقال الرجل : دونك الصنج فأسمعنا ضربك به فأخذ الرجل الصنج ولم يزل يسمع التاجر الضرب الصحيح والصوت الرخيم والتاجر يشير بيده ورأسه طربا حتى أمسى فلما حان الغروب قال الرجل للتاجر : مر لي بالأجرة فقال له التاجر : وهل عملت شيئا تستحق به الأجرة ؟ فقال له : عملت ما أمرتني به وانا أجيرك وما طلبت مني عمله عملت ولم يزل به حتى استوفى منه مئة الدرهم وبقي جوهره غير مثقوب.

عندما يصبح الشاعر كالتاجر وفي يديه جوهر نفيس فتلك موهبته الشعرية التي حباه الله بها وعندما تصبح آلة الصنج , كانشغال الشاعر بالشهرة في معناها العام

( شهرة ) أو الانشغال بأمور أخرى لسنين, قد تعيق من تطوير الأدوات الشعرية. كل هذه الافتراضات في هذه الحكاية, جعلتني أتأمل الشعر الحقيقي بواقعه عندما يصبح كالجوهر النفيس لقيمته , نقتنع بان للشعر قيمته الأدبية الفائقة , ولن يتوانى أي أحد في ان يجعل لشعره قيمة أدبية . وفي الواقع , ان تلك القيمة الأدبية من أجل الشعر فقط هي ما تترك القيمة الحقيقية للشاعر وأشعاره في نفوس الناس . ولا عجب ان يقول شاعر ذات يوم “ان الكلمات تحلم بأن نسميها” وكل هذا ببساطة حينما تصبح الكلمات بكينونتها هي حقائق ذات أهمية نقوم بتجميعها كتأملات شاردة .

كتب أحد الشعراء: كلمة تسير في الظل \\ فتنفخ الأثواب

ويتساءل البعض ماهو حقا يا ترى هذا الشئ الذي كان ينفخ ستائر غرفة الشاعر : كائن , ذكرى , أو أسم ؟ . وفي الحقيقة ان الشاعر فتح للقارئ عالم الكلمات . ان غرفة الشاعر مليئة بالكلمات . كلمات تسير في الظل , كلمات أحيانا تخون الأشياء , وأحلام أخرى تلد أيضا الكلمات كلما قمنا بكتابة الشعر . فقد نتوقف عن الكتابة ولكن بكل تأكيد هو ليس نضوب فالشاعر يظل شاعرا بكيانه وفطرته.

فلسفة شاعر

عندما اعاود قراءة ديوان سيف العشق للشاعر مساعد الرشيدي أشعر فكأنني أقرأه للمرة الأولى فقصائده متجددة وان تكررت قرائتي للديوان . يملك الشاعر مساعد الرشيدي فلسفة جميلة غالبا ما تعيدني لكل قصيدة . لكل شاعر فلسفة خاصة به بلا شك, وجميل جدا ان تكون له فلسفة تنبعث منها الرؤى في الحاضر والمستقبل ولكن التصور دائما قابل للتغيير في فهم الحياة فأحيانا التشبث برأي ما ناقصا قد لا يضيف لتلك الفلسفة شيئا لانها المنظور الذي نرى به مستقبلنا .يقول رينيه شار ( لا يستطيع الشاعر ان يبقى مدة طويلة في سكاك الكلمة ) والسكاك هو الهواء بين السماء والأرض فالشاعر له رؤيته ومنظوره في استيعاب الحياة أثناء ترحه أو فرحه.

يقول رينيه شار (الشاعر وهو الذي يترجم النية الى فعل ملهم وهو يبدل دورة التعب الى شحنة من الانبعاث) إلتقاط الانفاس من جديد لمواصلة الطريق والوقفة على ما قد مضى , عملية التقييم الذاتي لما نمر به , هو ما يشعل جذوة قصيدة جديدة أخرى تستوقف الشاعر وتستوقف آخرين من بعده . (خط طيران القصيدة يستطيع ان يكون حساسا لكل شخص ) ويقول الشاعر مساعد :

وابشعلها قصيد من أول الدنيا الى دنياك

تهب مع الهبوب الى ندهتك جذوة أوراقي

وابنظمها قلايد لين تقدح بالسما طرياك

ما دامي شاعرك ليه الظلام يرف بأحداقي

(ان يكون المرء شاعرا هو ان يمتلك الشهية لقلق يؤدي الانتهاء من استهلاكه الى الغبطة وسط زوابع الاشياء الموجودة والمهجوسة كلها ) أعتبر القلق أحد مكونات الكتابة الملازمة لها فالشاعر لا يهدأ له بالا الا والقلق يلازمه في كل قصيدة بداءا من شطر البيت الاول والنتهاءا بشطر البيت الاخير ومن ثم يصبح القلق لدى الشاعر , الرغبة الملحة للولوج الى كتابه جديدة ( الهواجس هيكل عظمي وقلب ومدينة وغابة ) ويقول مساعد :

هاجس ٍ يملا ضلوعي سواليف ومداد

كل ماهز المعاليق قلت: الله لنا

قال من طش المجاديف قلت: السندباد

قال: من غنى له النجم سامر قلت: أنا

(الشاعر وهو القادر على المبالغة ينمو بشكل صحيح في العذاب) كثيرا ما يكتم الشاعر ألمه في نفسه ولكن الاوراق تستظهر ما بطن وقد يجد تلك المساندة الحقيقية من القصيدة لتجعل احساسه يترعرع اكثر فأكثر في سياق الكلمات فكلما شعر انسان اخر بمعاناته من خلال الكلمات , يدخل في سياقا آخر تلو آخر(أنت شاعر في جوهرك على الدوام وعلى الدوام متلهف للحقيقة والعدالة ) .

مرة يلومون شاعر خانت دروبه

ومرة تخون المدينه حلم شاعرها

مرة كتبت القصيد لعين رعبوبه

ومرة نهبت القصايد من محاجرها

( عند كل انهدام للبراهين يجيب الشاعر برشفة المستقبل ). اكثر إيلاما جدية البراهين التي لا تجد آذانا صاغية ليس لانها براهينا غير منطقية ولكن لاننا نرفضها ولكن ان يقال ( الرضا يضئ الوجه والرفض يمنحه الجمال ) فهو ان تظل القناعات وايماننا في الذات راسخا ليمنحنا الجمال في الروح .

متى تصحي الدنيا متى يا زمان تفوق

متى ترخي الغيمة هدبها على اكتافي

متى تكسر الخطوه مداها وأهد الطوق

وأسوق الدروب لفجرها والقدم وافي

( الشاعر هو حافظ وجوه الكائن الحي اللامتناهية ) الشاعر تعود ان يتوغل في ذاته مرارا وتكرارا وتباين المفاهيم المتباينة تتوالد معه بشكل دائم ( غائب , أجب انت بنفسك . من دونها فمن المحتمل أن لا تكون مفهوما ).

انا الشعر عندي مثل الانسان كاين حي

رفيق ٍ وله حق الوفا في مواثيقه

رفيق ٍ ليا لدت عيون الشدايد لي

شلع كنه اللي نازع ٍ من شواهيقه

وعندما يقول الشاعر ( انا قائد الينابيع الناضبة ) , فلأنه قد يرى بأن (الشعر هو من بين كل المياه الصافية الاقل توقفا عند انعكاسات جسوره) أو لأن القصيدة لم تقل كل شي , فالشاعر هو العاطفة التي لم تعبر عن كل شيئا (من المناسب ان يكون الشعر غير ممكن الانفصال عن اللامرئي غير المصاغ بعد ) او هي فلسفة أخرى لشاعر كرينيه شار في استقصاء اللغة والعاطفة ومن رؤية أخرى للشاعر مساعد الرشيدي حينما قال:

سامحيني لو هزعت الغصن واحزني جفافه

الضلوع اللي على خبرك على خبرك ظمايا

* العبارات ما بين الأقواس للشاعر الفرنسي رينيه شار

هوية القصيدة الشعبية العمانية

اللوحة للفنان العماني أنور خميس

بما ان الهوية ممارسة فدائما ما يتم اثراءهذه الممارسة فعندما يتأثر الشاعر بشاعر آخر فهذا يمثل اكتسابا واعيا سواء كان التأثرفي القصيدة النبطية الحديثة شكلا ومضمونا ومن خلال تواصل الشاعر العماني مع شعراء اخرين من دول الخليج العربي , أو التأثر بشاعر فحل متمرس في فنوننا الشعبية في سلطنة عمان . دائما يقولون ان الذي يتسائل عن الهوية و هاجسها دائما هو من لديه نوعا من التشتت بين مدى الاستيعاب لتلك الممارسة و متغيراتها وبين الواقع و الحياة الروتينية التي يتعايش معها .قد يختلط الامر بين الشاعر احيانا حول منهله الشعري , و اشتغاله على النص , هل هو التواصل مع ما يدور في هاجسه من فكر ووعي وهموم في واقعه المعيش بمعنى ما يود الشاعر ايصاله بكل اختلاجاته واحاسيسه الى المتلقي ليشعر المتلقي بالنص ؟ هل يهمه المتلقي ذاته في ان يشاطره الاحساس والهموم ليقال بان النص غير جامد ؟ وهل ينظر الى كون المتلقي و المتذوق للشعر هذا هو ليس القارئ العماني فقط , وانما قارئا اخر من بلد آخر؟ و القصد من ذلك ان يصل الشاعر العماني لاكبر شريحة من القراء في السلطنة وخارجها لذلك كانت الكلمات و المعاني والالفاظ هي جسر التواصل ليخلق نصا قادرا على فهمه الكثيرين لذلك حشد جيوش الذهن في الاشتغال بالنص كثقافة ذاتية بغض النظر ان كانت تلك الثقافة الذاتية هي من الموروث العماني أم من لهجة اخرى مغايرة .

 كل هذه التساؤلات ما هي الا حديث نفس قد يخطر في البال و خطرات البال كثيرة . تحدثت سابقا عن اثر كلمة اعجبتني في نص وودت ان اوظفها في قالب شعري فلربما خلقت فضاء لـ فكرة لا حدود لها, وقد تكون تلك الكلمة من امهات الكتب , فما بالك بمعيننا الغزير في بلدنا وهي اللهجة التي تستمد جذورها من لغة الضاد ولا ننسى بأن هناك الكثير من المفردات المتشابهة التي نتداولها في الخليج العربي كافة . ومن هنا اود توضيح نقطة ما هو كيف أرى معنى النص المثقف من وجهة نظري ؟ هل يعني بان تكون ثقافتنا مستمدة من ثقافة الاخرين وتأثري بهم ؟ أم مستمدة من الثقافة المقروءة ؟ فان كانت مستمدة من ثقافة الاخرين فهذا لن يطغى على الشخصية المتفاعلة كجزء من النسيج الثقافي للمجتمع الذي نعيش فيه .

أما الثقافة المقروءة فهذا يرتكز على توظيف النص كيفا وليس كما. أتذكر رأي الكاتب و المثقف السعودي د. تركي الحمد حول الأنا و علاقتها بمسألة الهوية قائلا : ” عندما أقول أنا , فهل أقصد ذاتي الحاضرة الآن و هنا , أم أقصد ذاك الطفل الذي كان و المراهق الذي كان و الشاب الذي كان و من ثم الكهل الذي هو الآن و العجوز الذي قد يكون , هل أقصد أحد هؤلاء أم هؤلاء جميعا؟ لا ريب ان الاجابة البسيطة تقول ان ” أنا ” هو هؤلاء جميعا , الذين يشكلون سلسلة متصلة الحلقات تكون في مجموعها هذه الذات الحاضرة التي نسميها ” أنا ” .

رأي يذكرني بوجهة نظر شاعرنبطي عماني حين قال ان الوقت الذي نعيشه هو مختلف تماما وبما ان جده شاعرا فهو يرى على حد قوله بأن زمن جده و زمانه هو لا يتفقان من حيث تلقي العلم والمعرفة وقد يقصد روح العصر وقد يكون قد اختلط عليه الامر في منطق التعبير عن روح العصر وفي منطق ان أجد ذاتي قبل كل شي في روح قصيدة . في نهاية المطاف, يرى البعض ولا تمثل الجميع بالطبع ان تأثر القصيدة الشعبية العمانية الحديثة باللهجة الخليجية هو التكلف بعينه لان تلك الموهبة الشعرية تولج الفاظا لا تحل في اماكنها ولكنها تختار النزول في غير موقعها لذلك كثرت انتقادات هؤلاء فبعد ان اشتهرت مقولة الجاحظ في أدبنا العربي بان الكلمات مطروحة في الطريق , و الاسئلة تطرح نفسها بما يصوغه الشاعر من شعر متمثلا في الشكل و المضمون وما ان كانت العبرة في الشعر تتمثل حقا في صيغته وليست بمعانيه .

عصر الصورة في الفيس بوك “


عصر الصورة في الفيس بوك “


أو

” لوحة الحائط “

كموقع اجتماعي , يأخذ موقع الفيس بوك حظوة كبيرة في التواصل مع الشعر والشعراء والكتب والكتاب والمواقع الأخرى والقائمين عليها . عندما نبحث عن الشعر في الفيس بوك نجده , وعندما نبحث عن اللا شعر أيضا نجده ولكن لا يتطرق الشعراء الى الفيس بوك كونه للشعر ولكن هو تواصلا اجتماعيا في حد ذاته ونشر ثقافة تمتد مع ثقافات أجيال متنوعة . ما لفت انتباهي في الفيس بوك أيضا, بما إني من مرتادي الفيس بوك بين الفينة والأخرى لقراءة شي ما , هو ثقافة الصورة كما قال رولان بارت بأننا نعيش حضارة الصورة تلك الصورة التي تساوي ألف كلمة أو أكثر .

فهناك كتاب أو شعراء أو مفكرين في هذا الموقع ينشرون الصور التي تمثل سمات تفكيرهم أو ذواتهم أولا وأخيرا . قد يكون هناك من ليست له أية رسالة يود إيصالها للآخرين من خلال الصور فهي لا تتجلى برؤية ثاقبة نحو مضمون معين يحمل طابع الثقافة التي تتبلور في الصورة ولكن قد تخلق أفقا ضيقا لدى البعض . وعندما نأخذ بقول النفري ” كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ” , فذلك لا يبعدنا كثيرا على اعتبار ان الصورة أيضا قد تجعل رؤيتنا للأفكار أكثر وضوحا فهي عن مليون كلمة لذلك ضاقت العبارة. ومن جهة أخرى, عندما نقوم بإعادة إبداع آخر لرؤية القصيدة , فهذا يعني إنني أقوم بمهمة أخرى وهي ان أعيد رؤيتها برؤية مغايرة تضيف للقصيدة بعدا جماليا أخر .

لا زال هناك البعض الذين ينشرون صورة تعبيرية عن الدموع لقصيدة حزينة على سبيل المثال, فهل لا زالت الدموع هي دلالة وحيدة تلغي العديد من الدلالات الأخرى للنص ؟ أو حتى عندما ننشر صورة تعبيرية أخرى لوجه عبوس هو يحمل في طياته كل الفكرة بمجملها دون البحث عن أغوار الذات فيما هو سلبي يختمر في اللون القاتم ؟ فان لم تكن الدموع هي ندما أو رحمة أو توبة , قد تكون هي إحدى دلالات مشاعر العجز المكتسب واليأس وهذا ما نلاحظه حقيقة بان الكثير مما يمكن رؤيته من تلك الصورة تنطوي على طابع اليأس الذي أعطى إشارة واضحة للنص في مضمونه.

وبالمقابل , قد نقرأ قصيدة هادئة ويمر سكونها لينجرف الى صخب وأنين نشعر به كلما قرأنا القصيدة بهدوء وقد يستغرب البعض منا لماذا يضع الشاعر صورة تعبيرية لصرخة إنسان . تلك هي الصورة الإدراكية التي يود الشاعر إيصالها للمتلقي وهي ” أقرأني بعمق حتى تستشف ما بداخلي ” .

من جانب آخر, أتذكر شاعرا آخر, صورة لوحة لشخص يمسك بميزان كصورة معبرة عن النص , فاتت القصيدة ككيان واحد وهذا دليل على اتزان العاطفة لا تناقضها , لذلك كنت أرى تلك الصورة المعبرة من وجهة نظري هي دليل على وعي الشاعر وثقافته فالميزان كان في حد ذاته دليل على التوازن وفي وضع الأشياء التي يمكن وزنها فهي دعوة للتأمل فكان اختيار الصورة موفقا الى حد كبير . ” ابتسم من فضلك, ابتسم للصورة \\ لأ .. دي بسمة حزينة \\ العيون مكسورة \\ ياللا حاول تاني .. لأ دي ضحكة سناني .. ابتسم من قلبك يا أخي .. مش عضلك “!

للشاعر المصري بهاء جاهين . استطاع هذا الشاعر الكبير ان يفهم الطرف الآخر وهل كانت الضحكة أو ابتسامته من القلب أم لا فهو شاعر سبر أغوار ذاته وان لم يفصح الآخر عنها . فهنا الصورة والمضمون فالصورة قد تعبر عن شئ ما كالابتسامة ولكن ما ينطوي على المضمون فهو أعمق تماما عندما أضع صورة تعبيرية عن الألم والأسى, فتأخذ القصيدة منحى آخر في الكتابة عن الذكريات الجميلة التي تختزنها الذاكرة فهي دراسة نفسية للصورة في طرح عدة تساؤلات هل هي صور أو لقطات داخلية للأشياء الموجودة في العالم الخارجي ؟ هل هي ذات طبيعة مجردة ؟ أو هي مجرد صور محاكية للأشياء التي نراها ونسمعها أو نتعايش معها ؟

يقول ليوناردو دافنشي ان ” التصوير هو الشعر الذي يرى ولا يسمع والشعر هو التصوير الذي يسمع ولا يرى ” ولكن بعض المثقفين يرونها مقولة ناقصة على ان “الشعر يسمع بالأذن لكنه قد يرى أيضا بعين الخيال والذاكرة وتدفقات صور الشاعر عبر قصائده قد تصاحبها تدفقات ممثلة للصور في عقل المتلقي أو القارئ ” شاكر عبدالحميد . في نهاية المطاف , أود أن أشير الى ان لوحة الصرخة الشهيرة لافارد مونش, لم تتركز على صرخة الإنسان في اللوحة لتصوير الألم الخاص بالحياة أو الدالة العصاب والخوف الإنساني فقط ولكن كانت السماء الحمراء في اللوحة نفسها خلقت شعورا كليا بالقلق والخوف فكونت تلك الشخصية المحورية فيها . شأنها شان القصيدة , عندما نتوغل في أعماقها لاكتشافها فيما بعد.

التضمين بين المعنى وفوضى المعنى

التضمين بين المعنى وفوضى المعنى”.

لم تكن تجربة الشعر في فترة التسعينيات , تجربة عادية ولكنها كانت تمثل الشيء الكثير بالنسبة لشعراؤها فكرا ووعيا وتنافسا حقيقيا من اجل الشعر. لا زلنا نتذكر تجربة فهد عافت وأثرها على الصحافة الورقية وهاهو فهد عافت يقول مؤخرا ” لقد تقدمت في العمر لأتفاجأ بان الكثيرين من شعراء هذا الجيل الجديد ينادونني بالاستاذ لقد شعرت بأني كبرت فعلا وهم ينادونني بالاستاذ ” فالامر ليس فقط تقدما في العمر وحسب ولكن لتجربة أعطت الكثير و الكثير للساحة الشعرية كفكر ساهم في ان يترك أثرا على جيل بأكمله وشخصية أثرت في أساليب العديد من الشعراء في الوقت الحالي واصبحوا يقلدون نهجه.

بعض الشعراء يرون بأن فترة التسعينيات, كان الشعر الحقيقي موجودا ولكن النقد الحقيقي لم يكن موجودا بصورة فعاله لذلك فأن كل شاعر حقيقي كان يسعى بمفرده ليرى جانب النقد الايجابي أو السلبي في جماليات نصوصه ولا زال الشاعر الجيد الذي يرسم اسلوبا خاصا به والذي يرى انه بحاجة دائمة الى الاطلاع والتبحر في اغراض الشعر وان تقدم به العمر, لا زال يرى بأن القارئ الناقد الذي ينظر للشعر كونه شعرا بمعناه الحقيقي , يقف شاهدا على حياة النصوص وايضا يشهد على موتها وقد يموت الشعر من خلال أسلوبية “التضمين ” التي قد يتبعها بعض الشعراء أو المتشاعرين وهو بديعيا استعارة الشاعر شطرا كاملا او بيتا كاملا من غيره في شعره .

لم يكن “التضمين” يمثل حقبة معينة ولكنه موجود في كل حقبة زمنية و قد نراه في وقتنا هذا ان لم نغالي في الامر , ياخذ بعدا سلبيا لدى بعض الشعراء أو المتشاعرين , فكم شاعر دخل في دائرة ( التضمين ) والذي من شانه ان يقود البعض منهم الى سرقة أفكار الغير بدون وجه حق وعندما يناشدونهم , ستكون الاجابة بلا ريب , هي مجرد توارد خواطر بمعنى ان الشاعران أتفقا على معنى واحد بلفظ واحد بلا أخذ ولا سماع. لكن عملية توارد الخواطر قد لا تستمر طويلا . التضمين قد يخدم الشاعر في الوقوف على تجارب من سبقه او بمعنى آخر هو تأثرا ايجابيا بتجربة معينه لذلك دائما أرى بأن الذي لا يتأثر قط بتجارب شعراء آخرين , فهو لم يقرأ الشعر وعلى سبيل المثال عندما يسأل شاعر ما : هل تأثرت بشاعر ما ساهم في صقل موهبتك الشعرية ؟ تأتي الاجابة لدى البعض , في الحقيقة لم أتأثر بأحد ؟ أو في الحقيقة لا أريد ان أذكر أسماء معينة ؟ وأنا أعتقد ان الأجابات هذه ليست بالمقنعة لسبب ما هو ان التأثر بتجربة شاعر ما , من شانه ان يجعل الشاعر أكثر ثقة لأن يشعر بأنه قرأ فعلا وان يعطي بمثل ما قدم غيره ومن شانه أن يهذب الشعر لديه والذي يسهم في إنماء ذهن الشاعر في فهم قالب الشعر اللغوي والبديعي . لن نغالي ان قلنا بأن البعض ذهب الى تقليد التجارب الثرية في أساليبهم والنهج الذي يكتبون عليه اما بصورة مبالغه أو بصورة غير مبالغة فيها وهنا قد يحدث الاقتباس. فالاقتباس ينطوي على امور عديدة مثل ان يقوم الشاعر بتحديث أثر قديم اما من حيث اعادة عرضه بطريقة مشوقه واما بتبسيط مفرداته وعباراته ليصبح مألوفا لدى القراء وأيضا ان يقوم الاقتباس على تضمين الكلام نثرا كان أو نظما على وجه غير مشعور به لذلك قيل بان الشاعر أو الناثر ضمّن كلامه من كلام غيره . الشعر انخطاف وانجذاب لأثر أصيل واذا بلغ الشاعر حالة الانخطاف فأنه يتحرر فيها من العوامل المادية المحيطة به ويغوص في ذاته أو ما يعتبره منبعا صافيا من منابع الابداع بما ان النص هو تركيبة لغوية وتوليفة بلاغية , لذلك فان الشاعر المبدع يحاول ان يخلق عالما خاصا به وليس عالما شبيها ومماثلا لغيره . فالاقتباس المبالغ فيه من نهج شاعر آخر , قد يقود الشاعر أحيانا الى فوضى المعنى أو اللامعنى فكأنه لم يتحرر من حالة الانجذاب التي يعيشها هو بالذات وسط صراعاته و أفكاره . ومن جهة أخرى , اذا ما نظرنا الى الاقتباس الغير مبالغ فيه, بأن يقوم الشاعر بتحديث أثر قديم , فلأن القديم ماهو الا امتداد للحديث وفيما ذكره الرافعي : ” ان القديم هو الذي يبدع ما نسميه الجديد ” وما أشار اليه ادونيس ” ان الجديد هو ترميم في بعض نواحي القديم وتهذيب في بعضها وزخرف في بعضها الآخر وان اتصل الجديد بالقديم , فإذا هو هو لكن في بعض الزيادة أو بعض الزينه أو بعض القوة لإحداث بعض المنفعة ”.

المدح و ما أدراك ما المدح

في الاسابيع القليلة الفائتة , لفتت انتباهي قصيدة في المدح والفخر ولكن وفق أسلوب كاتب القصيدة كما يراه في قصائد الفخر والمدح , واعتقد بان الامر قد اختلط عليه كثيرا فطريقته في اسلوب الكتابة لقصيدة عاطفية لا تختلف البتة عن قصيدة يراد بها المدح والفخرفهي ترتدي ثوب المجاز والحداثة بشكل كبير وتبتعد كل البعد عن الغرض الشعري المراد توظيفه.

كثيرا ما نقرأ قصائدا للمدح او الفخر لبعض الشعراء نجد هناك من يتوغل في استخدام مفردات ومن ثم توظيفها بطريقة قد تبتعد احيانا عن طريقة سبك المفردات في هذا الغرض الشعري بالذات بما تمتاز به كجودة استعمال الالفاظ الجزلة في معانيها الموضوعة لها بوجود دلالاتها وايضا متانة الاسلوب بحسن ايراد المعنى الى النفس أو الى الممدوح . لا شك ان شعر الفخر او الحماسة او المدح يقوى بمفرداته كلما كان توظيف الكلمة يشعرك وكأنك تشكل انبلاجا لفكرة تتجسد فيها المناقب المراد ذكرها في كل بيت حتى يبلغ سامعيه بنفس القوة والعمق اللذين يصاغ بهما القصيدة . هذا يذكرني بقول أبي تمام : كشفت قناع الشعر عن حر وجهه \\ وطيرته عن وكره وهو واقع

هناك البعض من الشعراء الذين يقعون في فخ المجاز واسلوب الحداثة حين يكون الامر متعلقا بقصيدة تحمل طابع الفخر أو المدح , وما اعنيه هو دائما ما تتوق القصائد ذات الطابع المدائحي الى ان تخلق المجاز بشكل غير مألوف من قبيل اثارة الوجدان والشعور و لإبراز الصورة الشعرية فنراها جلية الملامح وهذه احد العناصر التي تجعل من هذا الغرض الشعري قويا حينما تتآلف المحسنات البديعية اللفظية مع الجزالة في قالب شعري يؤثر في القارئ او السامع فنشعر بصخبها وبسكونها فهذه القصيدة هدوئها مختلف واصطخابها كموج البحر الثائر الذي لا يهدأ . فعندما نكتب قصيدة الغزل , نتمنى ان نكتب قصيدة بطريقة مغايرة وكأنها تكتب أفكارنا لأول مرة أو كأننا نكتبها في حالة لم نعشها من قبل , فكيف الحال إذن بالنسبة لقصيدة الفخر والحماس والمدح ؟ بكل ما فيها من عمق وجزاله ؟ في رأيي اعتقد بأن كمثل هذا الغرض الشعري فان القصيدة بحاجة الى نولج بها ولوجا اعمق الى الكلمات . فهدوءها سوف يحرك مياه المفردات الراكدة و اصطخابها كالموج سوف يختلج فيها ضجيج الأحرف وعلى سبيل المثال كلمة الزهر حينما اقوم بتوظيفها في قالب شعري في هذا الغرض بالذات قد تأخذ بعدا اخر مثلما تختلف طريقتي في التعبير بالنسبة للزهر أو الورد كمفردة والعبير كمفردة أخرى ومعرفة ايهما الاعمق في بناء بيت شعري وكأنه يرسم بعدا اخر في الممدوح او ما يراد الحديث عنه لذلك لم تكن قصائد المدح والفخر والحماسة هي عادية كما يظنها البعض فأن لم يغير بعض الشعراء طريقتهم في التعبير والوصف في سائر الاغراض الشعرية الاخرى فأين تكمن طرائق التعبير المختلفة ؟ وعندما نفكر مليا , نرى اننا بحاجة ماسة الى الاطلاع الدائم حينما يصفون الشاعر بأنه ” الكاتب الذي تنقاد الى يراعه دقائق المعاني صاغرة بزمام نثر كنثر الورد ونظم كنظم العقد نثر كالسحر أو أدق ونظم كالماء أو أرق” .

ان اترك اثرا يستدل به على قصيدة , هو في حد ذاته امرا كبيرا لنص هو ثاو بين السطور أو ما هو أعمق يتسرب الى أراض ٍ شاسعة ٍ تتحاشد بها المفردات التي تسعى الى ان تتأنق كما يتأنق الشاعر في ترتيب المعاني والأفكار.

ما بال فلان يبغضك !!


الموضوع الذي سوف اتناوله في هذا المقال , ليس بجديد على الساحة الشعرية فقد تطرق اليه الكثيرين من الصحفيين والكتاب والشعراء او الشاعرات على حد سواء في الخليج العربي وفي الوطن العربي ايضا. قيل قديما : ما بال فلان يبغضك ؟ قال: لأنه شقيقي في النسب . وجاري في البلد . وشريكي في الصناعة , فذكر جميع دواعي الحسد.


اذن فالحسد في الساحة الشعرية هي ظاهرة يعاني منها الكثيرين . فهناك شاعر يحسد شاعرا وشاعر يحسد شاعرة وشاعرة تحسد شاعرا وشاعرة تحسد شاعره وهناك من يقول لماذا أحسد فلانا وكأنه ينفي دواعي الحسد رغم انها كثيرة كما قالوا قديما شريكي في الصناعة أو بمعنى ادق هو لديه موهبة الشعر التي أمتلكها . يقول ابن خلدون ” أعلم ان اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة, إذ هي ملكات في اللسان, للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة او نقصانها . وليس ذلك بالنظر الى المفردات وانما هو بالنظر الى التراكيب .


فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الالفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة , ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال, بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع وهذا هو معنى البلاغة “. حيث كان تصور البلاغة هو ان اللغة وحدات مضمومة بعضها الى بعض ولكن الاضافة التي تمثلت في تصور البلاغة , هي حرية الكلمات وحرية الشعر في البحث عن عبارات لا تهدأ ولا تثبت .


ومن هنا يظهر الاختلاف بين الشعراء او الشاعرات في توظيفهم الشعري والتنوع في طرائق التعبير , حينما تتضح ملامح اللغة الشعرية والنسق الذي تتخذه الكلمات . وبلا شك ان هذا الاختلاف , من شانه ان يظهر بوادر الحسد في النفوس .


فالحسد الذي يبعث الغيرة في النفس هو نوع من الاعتراف السلبي بجودة النص الآخر , وقد يبلغ الحسد مبلغه كلما كان الشاعر المحسود اقرب إلى تقنية الأسلوب في فكرته وطرحه وبلاغته أو جزالته . وهذه التقنية وان جاز التعبير متمثلة في كافة اشكال الفن أو الادب كفن القصة أو كما عبر عنه د. صلاح جبور وهو نهج خاص بفنان أو كاتب أو شاعر في تحقيق أثر من آثاره. مثال ذلك : تقنية الهمذاني في تأليف المقامة وتقنية الروائي الكبير نجيب محفوظ في كتابة الرواية وفي رأيي الشخصي قد أرى ان فن المحاورة هو تقنية أخرى تختلف عن الايقاع العام للشعر حيث يتطلب سرعة البديهة والفطنة والدهاء الشعري وحضور الذهن وهذه الصفات تختلف من شاعر لآخر كتقنية الشاعر المرحوم مطلق الثبيتي وتقنية الشاعر المرحوم صياف الحربي في فن المحاورة .


فكلما نظرنا الى هؤلاء الاعلام الشعرية نجد اننا بحاجة دائمة الى خلق ذلك التنوع الخلاق او تجديد تلك الطاقة الشعرية بإستمرار لان هناك الكثيرين الذي فعلا أجادوا في طرق البحور الشعرية النادرة والصعبة فكانت لهم تلك التقنية في الاسلوب الذي يصعب مجاراته وقبل ان يتوالد الحسد بسبب صفات معينة يتمتع بها شاعر عن سواه ومن شانها أن تبرز موهبته , يجب ان نفكر بتلك الطاقة التي تكمن في أنفسنا وكيف لنا ان نجعلها متجددة حية وكيفية تنميتها والارتقاء بها فكرا وخلقا .


من ناحية أخرى هناك داعي آخر للحسد بين الشعراء أو الشاعرات وهي الشهرة والاضواء وتلك الفرص الذي ينالها شاعر أو شاعرة في ابراز موهبتهما دون سواهما ممن سبقوهم في مجال الشعر. ومن وجهة نظري الشخصية , ارى ان الحسد في مثل هذه الحالة هو من شأنه أن يدمر صاحبه كلما سعى الى الفتنة واطلاق الشائعات, فتكون أبواب الساحة الشعرية مفتوحة على مصراعيها في اقتناص الفرص بعد زعزعة الثقة بين الشعراء المتخاصمين .


فيالها من رؤية سطحية تنم عن جهل وعدم ادراك لسبب بسيط هو الحسد ومن ثم الغيرة التي قد تؤدي لاحقا الى ان يكون التربص هنا ليس تربصا بالنص ولكن تربصا بالشخص ان الفرصة قد تكون جلية الملامح امام الشاعر أو الشاعرة فهناك المسابقات الشعرية او الامسيات أو منتديات الشبكة العنكبوتية أو المطبوعات الورقية أو الاعلام المرئي كل هذا من شانه ان يصقل تلك الموهبة . أود ان اشير هنا ايضا, وان تشابهت الفرص التي يطمح اليها الكثير من الشعراء او الشاعرات , فهم يختلفون ايضا من منطلق تلك القناعات الشخصية وأفكارهم المتباينة في مسألة أقتناص الفرصة الجيدة والمناسبة وفي مسألة رسم نهجا مغايرا مدروسا يحدد تلك الطموحات في الوقت الراهن و من شانه ان يعزز ويبرز تلك الموهبة الشعرية مستقبلا بعيدا عن اتخاذ مسار الفتنة والشائعات بسبب دواعي الحسد والغيرة .


أما انا فأنني أوفق الشاعر الجزائري عبدالكريم قادري عندما قسم الغيرة الى قسمين : غيرة ولود وغيرة عاقر ويقول : أما الأولى فهي المهمة في حديثي وأظنها خاصية يجب توفّرها في كل المبدعين من أجل الخلق الجيد والإبداع الفريد . هبْ مثلا أني قرأتُ عملا إبداعيا ما لأديب سواء كان مغمورا أو معروفا. لا بدّ أنْ أحسد وأغير من كاتبه ومن ثمة تتولّد الغيرة لديّ وتحصيل حاصل لابد ان اكتب نصا يساوي هذا العمل الابداعي أو يتجاوزه على الاقل في نظري هكذا تنطفئ دائرة الغيرة لدي.


أما الثانية وهي الغيرة العاقر ، وهي تُحسب على المبدع لا له . لأنها لا تولد جمالا وإضافة للأدب , وبالتالي سيكون لها نظرة عكسية سلبية تتولد منها احقادا ومشاحنات كان يمكن تجاوزها . لذلك وجب علينا التشبث بالاولى ورمي الثانية .